Saturday, July 20, 2019

رحلة السماء والأرض


كنت أنتظر في غرفتها، قالت الخادمة أنها تستحم، كان لدينا درس اليوم في علوم الطبيعة، تتأخر دوماً وتجلعني أجنّ. لماذا تستحم في وقت الدرس!! خرجتْ الآن وتقفُ أمامي عارية تماماً، بجسدها الطفولي وبشرتها البيضاء المذهلة.. نظرتُ إليها غاضباً، فقالت: "ما الذي أخرك يا سيدي؟!" كانت تفعل هذا دوماً، تُلقي باللوم علي، لم تعترف أثينا يوماً بأنها تخطئ، تقول إن الخطأ للبشر وليس للآلهة، وكيف لها أن تعرف، هي ليست ربّة بعد.. قلتُ لها: "لست ربّة بعد، ولن تكوني أبداً لأنك تفوتين دروسك يا أثينا" كانت تركض مرحةً في جناح نومها وترفض أن ترتدي أي ملابس.. أنا وأثينا في نفس العمر شكلياً، ولكنها لديها مئات السنين عني.. أتذكرُ يوم خلقني بروبيثيوس في أرض "أتيكا" الخصبة الغنية، بدأ كل شئ ضبابي ويرتعش، وضَعني على الأرض وكنت صغيراً جداً لا أزل، ولكنه قال كلمات لا أنساها: "لقد أمر زيوس بخلقك لتُعين الربّة أثينا في حكمها، وتمدها بالحكمة والعلم وتحميها وتكون مستشاراً لـ زيوس تُعينه في حكمه، أمك هي الأرض وأبوك الأكبر هو الليل، ستعيش بين قوم الإله كورونوس "الزمن" تأكل من أرضه كما يأكل التايتن وتنام فوق العُشب النديّ وتشرب من أثداء أرضنا الأم.. ستنعم بالحياة وتتعلم، واسمك هو الإنسان" أحضروني بعدها لأثينا، كانت سعيدة للغاية بوجودي، وقبلتني عند عنقي فنمت لي تفاحة داخل حلقي، ثم نفخت عند وجهي فدبت في الحياة! بينما كنتُ أتذكر كلمات برومبيثيوس والماضي، كانت أثينا ترتدي ملابسها، وشاح من الحرير يغطي بشرتها الحريرية، وها هي ترتدي الدبوس الذي صنعته لها، عليه صورة لكبشٍ جبلي، جلست أمامي على الطرف الآخر من الطاولة، وقالت: "عندما أصبح ربّة سأخلق لك الكثير من الأصدقاء حتى لا تجلس وحيداً بعد الدرس" ابتسمت لها، وقلت: "شكراً يا أثينا، هلا نبدأ"، يومياً أدرس بصحبتها، نتمشى سوياً بين أشجار التوت والتفاح، بينما ينساب نهر العسل من أعلى الشلال القادم من النعيم حيث الإله الذي لم يخلقه أحد.. أجلس مع أثينا وأخبرها عن أنواع الطيور والنباتات، وهي تضحك ضحكةً إلهية بديعة الجمال، وتركض وتلعب مع الحيوانات، وتعد لي الطعام البشري اللذيذ.. أنا أحب أثينا! مرت السنوات الطوال، وبينما كان ينمو لي شعراً أبيض وتتجعد ملامحي كانت أثينا تتحول ببطء لامرأة بديعة الجمال والخلقة، لقد أوشكت على الوصول لعمر الخلود، بينما أنا مخلوق فاني. كنت أحزن لتصور أنني سأغادر أثينا يوماً ما.. ازدادت أثينا جمالاً ولكنها ازدادت حكمة كذلك، وعلم.. كنت أعلمها كيف تحكم بين المخلوقات بالعدل، وبينما كنتُ أفعل أصابني مرض شديد، فَزِعت أثينا، وهرولت للخارج طلباً للمساعدة، ولكن عندما عادت كان الوجود قد اسود في وجهي بالفعل، ونمتُ طويلاً.. عندما استيقظتُ كانت أثينا تنام عند طرف سريري وتمسك كفي، ناديتها بلطف: "أثينا!" فاستيقظت وما أن تقابلت عيوننا حتى رأيتها تبكي! كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها أثينا تبكي على الإطلاق.. كنت مفزوعاً ما الذي قد يبكي الربّة، قلتُ لها: "ما أبكاكي؟" ابتسمتْ وأخذت بيدي اليُمنى وقبلتها وقالت: "لقد صرت عجوزاً يا صديقي" في الأيام التالية كنت ازدادُ مرضاً، وتتويج أثينا يقترب لتصبح الربّة المنتظرة، كنت حزيناً.. " كان يجب أن أكون بقربك في هذا الوقت" قالت: "أنا من يجب أن تكون بجانبك الآن، لقد كنت دوماً بجانبي يا صديقي" علمتُ بعدها أن أثينا تتوّج، لم أحضر التتويج لأنه كلما وقفت دارت الغرفة بي وأصابني المرض الشديد، ولكني أسمع تهليل المخلوقات لأثينا.. لا مفر من نهاية رحلتي على كل حال وبداية رحلتها.. قالت لي: "لقد أصبحتُ ربّة الآن، ولكني أفتقدك بشدة!" كلما جاءت أثينا لتراني كانت تبكي، يصيبني الأسى لأنني صرتُ -في النهاية- سبب بكائها.. قلت لها وأنا أنظر لدبوس الكبش الذي ترتديه فوق ملابس تتويجها: "أنا متأكد أنك كنت جميلة ورائعة" أشعر بأن السلم الذي سأصعد به للإله -الذي لم يخلقه أحد- يقترب مني، قلت لأثينا عندما حانت لحظة الصعود: "عديني بأن تكوني ربّة جيدة، حسناً؟" وبينما كنتُ أصعد السلم، قبلتني أثينا عند ضلعي وقالت وداعاً.. نفخت بعدها أثينا في الأرض روح الإنسان ومن ضلعه خرجت من تشاركه الحياة والأولاد، وعاش أحفادي وحفيداتي في أرض كورونوس يعطيهم الزمن والوقت، بينما أثينا تراقبهم وتحميهم من السماء. تمّـــــــــــت

No comments:

Post a Comment