Saturday, July 20, 2019

رحلى إلى السماء || قصة/ ميثولوجيا


توجهت إلى السماء، إلى أنوبيس، كتبت له رسالةً فحواها(سيدي أنوبيس، علمتُّ أنك كلّفت منذ سنوات أن تحصد روحاً كانت لزوجي، وأنا أعلم سيدي أنك لكثرة مشاغلك لن تتذكر كل من حصدت أرواحهم؛ ولكن طمعاً في قدرتك السرمدية أن تعيده إلي، ولقد كتبت إليك كثيراً أن تأخذني أنا إليه ولكنك أبيت أن تأتيني، وأنا لا أعترض أن تفرّقنا فتلك وظيفتك، وكيف لمثلي أن تعترض قانون الكون والحياة؛ ولكن أنا في عداد طابور طويل من الموتى لا يتزحزح، وصدقني هؤلاء الذين ينتظرون الموت أسوأ حالاً من الموتى، فهم يتآكلون تدريجياً تحت أمل النهاية فلقاء الأحبة.. ألا ينصفُني الأجل كما جمعني بزوجي في الدنيا أن يجمعني به في العالم الآخر على وجه السرعة؟! ) .. لكن لم يأتِ منك رد يا أنوبيس، وأخشى أن رسالتي لم تصل.. طرقت أبواب السماء، فسُئلتُّ عن حاجتي من الحرّاس، وكانت إجابتي دموع تائهة تبحث عن فقيد، قلتُّ أنك حاجتي(أريد أنوبيس) ... أشاروا باتجاهك وما إن رأيتك حتى استجبتَ لخطاباتي، وأعلم أنني قد أسرفت في الإلحاح، ولكن ها أنا وزوجي سوياً، ولم أعد أهتم متى كانت ساعتي ومتى قرأت خطابي ومتى وأين أنا، ولكن أكتفي أني ومن سألتُ سوياً للأبد.. تمّت

أمطار أيلول || مقالة



أحاول أن أكتب منذ عدّة أيام، ولكن أعودُ إلى حاسوبي المحمول خالية الوفاض بيضاء أكثر من تلك الصفحة ذات المؤشر التي أمامي.. حينما ارتأيت فكرة مرهفةً مرهقة، فكرة حمقاء ولكنها شيطانية.. إن عجزَ كاتب عن الكتابة، إن عجز عن إيجاد فكرة تُطلق عنان خياله وأصابعه، فالأولى له أن يكتب عن كاتب يعجز عن الكتابة، إنها يا عزيزي دورة حياةٍ رتيبة.. الكتّاب يكتبون عن الكتّاب وكتّابهم يكتبون عن الكتّاب، وهكذا.. حلقة مفرّغة من الأحداث المتكررة داخل خط الزمن الفاشل، لا تغادر نمطها الرتيب، ونحن في الداخل.. الزمن لا يفشل، لأنه مائع لا يفشل، لا ينجح.. هو لا يدرك أنه موجود، هو لا يدرك أنه لا يدرك! ليتنا كنّا غير مدركين.. الإدراك مرعب، الإدراك مسؤولية، والمسؤوليات أعباء، والأعباء تُشيخ الروح، والشيخوخة هي العجز والمرض، الألم والوحدة، والوحدة شيطانٌ مريد، والشياطين من الجحيم تأتي وتذهب وتعثو وتعيش، والجحيم مجهول، والمجهول... مرعب.. من الأفضل أن ينطلق الكاتب ــ دوماًــ خلف تجارب جديدة، خلف المخاطر.. إلى تلك المناطق الرمادية المُوحشة، أن لا يتقيّد بـ اختيار جانب على جانب أو الإنسياق وراء سُلطة.. هو عبدٌ للإبداع، يأتي من رَحِم الحريّة البتول رغم محاولات اغتصابها السرمدية على طول التاريخ بحكايـــــات ترويها النجوم.. النجوم تنفجر كالأزهار في الفضاء، ينطلق غُبارُ طلعِها الكوني.. يُثير الرعشة، يجعل الكون يَعطِس.. فيندفع، ويبتعد كثيراً ليغرق أكثر في الظلام.. الكتابة، آه أجل.. من جديد، الكتابة عبادة.. وأنا راهبٌ في ضريح الأدب حيثُ مثوى كل المبدعين.. سأتعبد لمعبودتي حتى ترضى، فـ ترضى وتفيض فوق روحي بمياهها المقدسة، المياة الطاهرة ..لأكتب كلماتٍ محرّمة فأُطرَد من جنّتها.. لأنني أشتهي تلك التفاحة الغبيّة، وأنا ــ في حقيقة الأمرــ لا أحب التفاح، والأمر ليس منوطاً به، ولكن بالنشوة داخله للكمال.. أنا لا أريد تلك الحياة التي أظهر فيها عن دورِ عاجزٍ، يبحث عما يكتبه، أنا أريد أن أمارس تلك الطقوس حتى أكتب، أن أطلق الشعر حتى تفنى لغات الحديث فأخترع دونها.. أريدُ أن لا يكتب الرعاع، وتقطّع أيدي كاتبيهم، كأنهم المجرمين السارقين الزانين الكافرين، في درك الجحيم معذّبين بما عذّبوا أرواحنا البريئة بسمومٍ مكتوبة.. أريدُ أن تكون الكتابة هي تلك الوظيفة الملكية، والكاتب يجاور الملك في العرش، يشاركه في التاج، تاج من العلم والكثير من الحكمة وأخبار القدماء.. نحن لسنا من كل هذا في أي شئ، أو من قريب حتى.. نحنُ أجرام سماوية غضبت عليها السماء فألقت بها في ثقوب كونية، يتردد صداها حتى آخر الزمان.. والزمان لا يدرك أنه يحتوينا ويبتلعنا داخله، ولكنه يبكي! يبكي شيئاً ضاع.. شئ يهم، ولكنه لا يتذكر.. ــ أحياناًــ لا يدرك لماذا بكى في الأساس.. ليتنا كنّا أزْمُنــــــــــاً صغيرة بداخل الزمن الكبير.. لا يدركنا ولا ندركه.. فقط، سـ نسيرُ لا نهتدي وجهة.. الجهل مبهج، بخاصةٍ إن كنتَ لا تعرف سواه.. تمّت

١٥ دقيقة و ٢٠ ثانية || الجزء الخامس والأخير


الرجل الأول: "أشعر بنبضه أحياناً.. لن يصمد، يجب أن يخرج من هنا" الرجل صاحب الصوت الخفيض: "برايان!" برايان: "لا أعرف إن كنت سأصمد ثانية أخرى، ولكن يجب علينا أن نفعلها لأجل الأولاد.. نحن نحتاج المال" الرجل صاحب الصوت الخفيض: "تباً للمال برايان. يجب أن نرحل من هنا" قال جوفري: "وأنا وجدي أيضاً!" قلت بصوت مهزوز، نتيجة الاختناق: "هل.. نسيتم؟ لقد قال المدير.. من يضغطان الزر ينسحبان.. وكلاهما لا يستطيع الوقوف" قال جوفري: "تباً لهم جميعاً، أنا لا أهتم بما يقولون! سأضغط الزر" قال الرجل صاحب الصوت الخفيض كذلك: "وأنا معك" قام كلاهما، وسمعنا صوت خطواتهما في اتجاهين متنافيين من الغرفة.. قال جوفري: "لقد وصلت"، وقال الرجل صاحب الصوت الخفيض: "وأنا كذلك" كنت أهمهم كالغارق: "أنا أختنق!" بينما قال الرجل الأول: "أشعر وكأن دهراً قد مر.. يكفي هراءً!" قال جوفري: "سـ أعد لثلاثة وبعدها نضغط سوياً" واحد.. اثنان.. ثلاثة ضغطا الزر، وكلنا نظرنا من حولنا. لم يحدث شئ، لم يتغير شئ، تعجب الجميع.. قال جوفري مجدداً: "مرة أخرى ربما هناك عطل" واحد. اثنان. ثلاثة لم يحدث أي شئ.. جوفري يصيح: "لا.. لا يمكن" كان يضغط الزر بشكل هستيري وبدون وعي "لا يمكن!!" ابتسمتُ بين الظلام وقلت ببطء: "تلك خدعةٌ حمقاء! هذة خدعة" صاح الرجل الأول: "بالكاد أشعر بنبضه الآن!" ولأول مرة منذ وقت تحدث الغاضب، وذهب يطرق الأبواب بعنف: "افتحوا تلك الأبواب الآن!! نحن نموتُ هنا!" كلٌ منا كان في دنياه. يكافح ليعيش.. عندما. أضاء المكان فجأة! عانيت للحظة صدمة الضوء المفاجئ، وأنا في ذهول! قال صوت في المكبر الداخلي: "نحن نأسف لاخباركم، لقد انقطع التيار الكهربائي منذ عشر دقايق، وعجزنا عن استعادته فوراً، تعطلت حتى الأبواب الميكانيكية للغرفة، ولكن تم استعادة التيار، سنبدأ التجربة الآن" نظر الجميع لبعضهم بعضاً، وصرخنا مستغيثين حتى انفتحت الأبواب وخرجنا جميعاً.. توفى الجد جراء أزمة قلبية، نُقِلت برايان إلى الطوارئ فوراً، أشعلت ذات الصوت الإذاعي سيجارة بينما جبينها يتفصد عرقاً، تم استدعاء الغاضب إلى مكتب الأمن، أما الرجل الأول فغادر وهو يتفحص الضوء من حوله كالطفل الذي خرج للعالم تواً، ويبكي.. بينما جلستُ أنا ألتقط أنفاسي وألعن زوجتي! أعتقد أن كل من مر بتلك التجربة لن يتعامل مع الظلام كما كان أبداً مجدداً.. نظرت إلى ساعة المدينة وأنا جالس ع الطريق، لقد مر خمس عشر دقيقة وحسب!
تمـــــــــــــــت...

١٥ دقيقة و ٢٠ ثانية || الجزء الرابع


أشعر وكأن ساعة قد مرت، أشعر شعوراً غريباً هنا وكأن لا وجود للوقت أصلاً أنا أختنق! قال الجد مخاطباً جوفري: "ما هذا؟ سمعت صوت شئ ينكسر! أين ساعتي يا بني؟ أعطني الساعة ولن أعاقبك صدقني، أعطني الساعة فحسب!" كان جوفري يتململ، وقال: "يا ويلي!!" يبدو أن الغاضب انزوى بعيداً الآن. غيرَ أن جوفري قد قسمت القشة ظهر بعيره، واهتدى طريقه إلى الرجل الغاضب لينتقم منه.. كان يكرر: "يا ويلي! يا ويلين.. سأقتلك لهذا! أنت حقير" كانا يتعاركان، كنت أسمع صوت ضرباتٍ ولكماتٍ مكتومة.. على أغلب الظن يضربان الكراسي والحوائط، يتأوه جوفري، وضربة مكتومة تتوسط صدره، الرجل الغاضب ليس غاضباً فقط ولكنه قوياً أيضاً.. الجد ينادي مستنجداً: "توقف.. توقف! أين أنت يا جوفري؟ توقف. لا تؤذِ حفيدي!" أشعر أن الظلام يلمس جسدي من كل مكان وبدأتُ أرتعش، توهمتُ أن هناك حائطاً يتحرك باتجاهي ليدهسني، فرفعتُ يدي لأحجزه، ولكن غاصت يدي في الظلام، وسكتت الأصوات في رأسي فجأة لثانية أو أقل.. تساءلت في نفسي مفجوعاً بشساعة الظلمة وضيق نفسي، ثم سقطتُ على ركبتي.. عادت الأصوات إلى حيثما كانت، وظهر صوت الجد اخيراً: "إلينور. هل هذة أنت؟" انتبه جوفري أخيراً لجده: "جدي؟! جدي. هل أنت بخير؟" همهم الجد: "أين نحن يا بني؟" قال جوفري: "أنا آسف يا جدي! أنا من أحضرتنا هنا، في هذا الجحيم" قال صاحب الصوت الخفيض: "برايان! رجاء أخرجونا من هنا.. أنا أنسحب!" قال الجد أخيراً: "لا بأس يا بني، لا بأس" وسمعنا صوت ارتطام بالأرض. وجوفري يصرخ: "يا إلهي، جدي! أجبني يا جدي!!" سأل الرجل الأول: "ما الذي يحدث؟" قال جوفري: "لا أعرف. لقد سقط جدي أرضاً" اكتفى الغاضب بالصمت وكأن الحائط أبتلعه..

١٥ دقيقة و ٢٠ ثانية || الجزء الثالث


قال الرجل الذي تحدث في البداية: " ربما فعلوها عن قصد!" لم يعلق أحد، فتابع: "ربما عن قصد تركوا معكما الساعة، لتكون العامل الفاصل في التجربة. الوقت" سأل الرجل الغاضب: "ماذا تعني بالوقت؟" قال الرجل: "قرأتُ كتاباً خيالياً عن كوكبٍ عاش أهله في ضوء دائم، ثم انفجر النجم الذي كان ينير لهم الكوكب، وأصبحوا في ظلام دامس، لم يتحمل أهل الكوكب الظلمة لعشر دقائق حتى وبدأوا في قتل بعضهم بعضاً. إنه تأثير الظلام بالتأكيد" أثارت انتباهي تلك القصة كثيراً وخرج صوتي لأول مرة منذ جئت: "لكنها قصة خيالية أليس كذلك؟" قال الرجل: "نعم هي قصة خيال علمي أي أحداث القصة خيالية ولكن ذات مضمون مُثبت علمياً.. الظلام يعد عدو الإنسان من اللحظات الأولى له في الحياة، بحث عن الضوء في النار وطوره ليخدمه في غياب الشمس ولم يكتفِ بهذا بل شاء المزيد من الضوء المستمر ليلاً ونهاراً، فطور المصباح، وظهرت الكهرباء للاضاءة" تسائل صاحب الصوت الخفيض فجأة: "ما المرعب لهذا الحد في الظلام، أنا أشعر كلياً بالراحة أثناء الظلام" أجاب الرجل عن ثقة: "الكلاستر فوبيك. رعب الأماكن المغلقة" صاح جوفري: "إنها تعمل! هل تسمعون صوتها؟" ساد الصمت للحظات لنسمع الصوت، في البداية بدا وكأن الصوت يخرج من قاع المحيط شيئاً فشيئاً إلى حيث السطح لينفجر وكأنه داخل مكبر صوت: "تيك توك.. تيك توك.. تيك توك.." وتابعت.. قلتُ في نفسي: "يا إلهي!" لأول مرة في حياتي أسمع ساعة عن قرب، ربما حقيقة هي عن بعد لكن في هذا الفراغ الهائل للظلام. قال الرجل الغاضب وقد اندفع وزاح كرسي بعيداً: "أعطني تلك الساعة!" المرأة ذات الصوت الإذاعي ترمي لأمرٍ هام جداً: "أشعر أنني أختنق!" كنت أشعر أنني أختنق كذلك، قال جوفري خائفاً وقد تملكته الظلمة أخيراً: "لا أظن أن هذة فكرة جيدة، قد يكره جدي أن.. " قاطعه الرجل، وقد اصطدم به، وصاح جوفري: "هذا وجهي يا رجل!" قال الغاضب: "أعطني قطعة الخردة.. أعطني إياها. أنا لا أرى شيئاً. تباً!!" بينما يتعارك جوفري والغاضب، سمعنا حشرجة تشبه صوت أحدهم يختنق.. صاح الرجل صاحب الصوت الخفيض: "برايان هل أنت بخير؟" دبت الحياة في صوته فجأة وكأنه شخص آخر، بينما لم تجيبه المرأة، وظلت تتنفس بصوتٍ ثقيل وكأن فيلاً سقط فوق صدرها.. لكنها قالت بضعف وصوت مبحوح بالكاد يُسمَع: "توقفوا.. رجـ.. رجاءً توقفوا!" قال الرجل الذي تحدث أول مرة: "لا فائدة منها! توقفا عن العراك.." بينما استيقظ العجوز: "جوفري. هل رأيت ساعتي؟!" الراجال يتصايحون كالدجاج، وفجأة سقط شئ وسمعنا صوت تهشُّم! لقد سقطت الساعة ودهسها الغاضب وهو لا يدرك أنها تحت قدمه..

١٥ دقيقة و ٢٠ ثانية || الجزء الثاني


سقطت الغرفة في ظلام تام.. لثانية ظنناها دقيقة ولدقيقة ظنناها ساعة، كان الكل يكابد الحديث أو الصراخ. أخيراً تنفس أحدهم بصوتٍ مسموع، فتنفسنا جميعاً خلفه.. لم أكن الوحيد الذي يحبس أنفاسه إذاً! لا أشعر أنني بخير هنا منذ اللحظة الأولى، أشعر وكأنني تحت التهديد حتى عندما كانت الأنوار مضاءة بدا لي أنني سألاقي حتفي هنا.. تحدث أحدهم: "هممم إذاً. هي تجربة لاختبار ردود أفعال الأفراد المختلفين في الظلام" قالت امرأة بصوتٍ مرتعش: "هل مع أحدكم كشاف؟!" بدت مضطربة. لقد مر أقل من دقيقة وقد اضطرب كل شئ على المرأة المسكينة.. رد رجل بصوتٍ خفيض: "هل نسيتي يا برايان لقد جعلونا نترك كل شئ قبل الدخول، حتى الساعة قد أخذوها" حمداً لله لا أمتلك شيئاً من الأساس. صاح رجل بصوتٍ مزعج غالباً كان شاباً عشرينياً: "أعتقد أننا نمتلك ساعة، أليس كذلك يا جدي؟" انتبه صوت عجوز لتساؤل الشاب: "ها؟ أهذا أنت يا جوفري ؟!" بدا وكأنه كان ينام قيلولته الآن، بالتفكير في القيلولة. هذة الغرفة شديدة الإظلام مقارنة بأن الوقت عند دخولنا كان الحادية عشر صباحاً. تساءلت امرأة ذات صوت إذاعي: "هل أصبح الجو حاراً هنا أم أن هذة مخيلتي تعبث بي؟" أعتقد أنا الآخر أن الأجواء هنا صارت أكثر حرارة وكأن الغرفة في منتصف الصحراء، وهذا الإعتام يساعد على الشعور بالحرارة أكثر. فَككتُ زر قميصي. قال جوفري. قد صرت أعرف صوته الآن: "جدي. أعطني ساعتك. لدى جدي ساعة قديمة يضعها في جيبه ولها سلسلة ربما تساعدنا" قال صاحب الصوت الخفيض، وبدا لي جالساً لا أعرف لماذا: "يستحيل أن يدخل بها" قال جوفري متحدياً صاحب الصوت الخفيض: "يمكن لجدي أن ينسى أي شئ، أو يترك أي شئ إلا تلك الساعة.. لا فائدة من إقناعه بتركها لأنها لا تعمل أصلاً" قال رجل آخر يأتي صوته من أبعد نقطة في الغرفة وبدا غاضباً على جوفري بالذات: "هل أنت أحمق؟! إذا كانت الساعة لا تعمل لماذا تثرثر إذاً!" تملمت المرأة الأولى: "يا إلهي، سأموت هنا!" قال جوفري أخيراً: "لقد أصلحتها! جدي يرفض أن يلمس أحدهم ساعته، ولكنني أصلحتها في عيد ميلاده.." قال الجد العجوز: "من لديه عيد ميلاد؟" يا مسكين! ما الذي أحضرك هنا؟ تابع جوفري: "رفض جدي تسليم الساعة أو حتى نزعها من ملابسه، وقد أكدت لهم أنها لا تعمل إطلاقاً.. هيا يا جدي أعطني الساعة" صاح الجد بضعف ولكن إصرار: "لا يلمسن أحدكم ساعتي!!" ولكن جوفري بدا وكأنه يتعارك مع جده لأجلها، الرجل يصرخ بضعف، وجوفري يصرخ في المقابل: "توقف يا جدي عن تلك الحماقات!" والعجوز يصرخ: "لا. إلينور! إلينور ساعديني!!" بينما همهمت المرأة الأولى: "توقفوا رجاءً!" ثم توقف صراخهما فجأة، وسمعتُ نشيج الرجل العجوز بصوت خفيض كطفل يخاف البكاء حتى لا تنهره أمه. تنهد جوفري وقال بانتصار: "ها هي، أرجو أن تكون لا تزال تعمل" يا لك من مغفل صغير يا جوفري.. العجوز كان يبكي بهدوء ويقول: "إلينور! أنا آسف" تساءلت المرأة ذات الصوت الإذاعي: "من هي إلينور؟" رد جوفري: "جدتي، وقد ماتت منذ زمن.. هذة الساعة هدية منها إلى جدي. جدي توقف أرجوك! سأعيدها إليك ما أن انتهي" قالت المرأة ذات الصوت الإذاعي: "كم أحتاج سيجارة الآن" وأنا قلت لنفسي: "أريد العودة للبيت، تباً لهذا!"

١٥دقيقة و ٢٠ ثانية || الجزء الأول


"إحم..إحم" تنحنح صوت في مكبر الصوت الداخلي للغرفة التي ننتظرُ فيها.. فانتبه الجميع! أكثر من عشرة متطوعين من الجنسين لتجربةٍ جامعية لقسم الطب النفسي والعصبي.. عندما عدت من العمل أمس، منهك من حمل براميل الشحم إلى سفن الشحن والنقل على طول النهار. استقبلتني زوجتي عند الباب بورقةٍ مقطوعة من صحيفة.. سألتها: "من أين لك بالصحيفة؟" بالكاد نجد قوت يومنا، بالتأكيد لا نمارس طقوس الثقافة تلك.. عاجلتني قبل أن أغضب: "لا. لا. إنها صحيفة جارتنا چانيت لقد قطعت منها هذة الورقة فقط" قلت لها: "وماذا في الورقة لتسرقيها؟" كان إعلاناً لطلب متطوعين لاختبار علمي، لا ضرر جسدي. كُتِبَ هذا. خمسون دولاراً ووجبة غداء، والاختبار في أقل من عشرين دقيقة.. قالت زوجتي: "مالٌ سهل! انظر بنفسك. اذهب وأحصل عليه من رجال المختبر" قلتُ لها متشككاً: سيغسلون دماغي يا امرأة!" قالت: "لا شئ في دماغك ليُغسَل! بينجامين" ودخلتْ لتنام.. يتحدث الجميع، وكأنه يوم تقليدي في الحديقة، أفضل دوماً الانفراد بنفسي عند الارتباك. لا مشاركةَ ارتباكي مع ارتباك شخص آخر.. دخلت شابة ثلاثينية، وقالت بابتسامةٍ لطيفةٍ وظيفية: "مرحباً بكم سيداتي وسادتي، أنتم جزء من تجربة نفسية تابعة لفريق قسم الطب النفسي. جامعة بروكلين... قاطعها أحدهم ورفع يده ليتكلم ولكنها ابتسمت أكثر وقالت: " ليس لدي إجابات لأي أسئلة ترغبون في سؤالها. الآن... أخرجتْ قلماً وأوراقاً. وتابعت: "هل يعاني أحدكم رهاب الأماكن المغلقة؟... " وتابعت الأسئلة بينما نجيب نحن عليها وهي تسجل الإجابات. لم يعاني أحد من الحضور من مرضٍ خطير أو مزمن، ولكن بدا أن الجميع سينهار فيزيائياً عند لحظةٍ أو أخرى. كادت الشابة ترحل عندما أوقفها سؤال أحدهم فجأة: "يا آنسة. إلى متى سنبقى في تلك الغرفة؟" قالت بابتسامة أكثر ريبة لأنها لا تحمل شعوراً مجرد اهتزاز ديناميكي فوق ملامحها: "خلال دقيقة سيتحدث إليكم رئيس التجربة. سيدي، لا تقلق. واجلس مكانك من فضلك" ليس هناك أماكن كافية ليجلس الجميع إن أرادوا، ولكني أفضل الوقوف شخصياً.. انطفأت الأضواء فجأة، وانفعل الحضور، وساد الصمت كذلك. ربما ضحك أحدهم ضحكة عصبية وقال: "حسناً. كان هذا سريعاً!" ولكن سرعان ما عادت الأضواء من جديد. في ثوانٍ قليلة شعرتُ وكأن المكان قد أصبح خالياً إلا مني بينما الجدران تحاوطني تماماً. لقد نال مني الظلام لوهلة لما أنا فيه من ارتباك.. عندما عادت الأضواء، عادت أنفاسي إلي صدري. تحدث صوت خلال مكبر الصوت الداخلي، وقال التالي: "مرحباً بكم أيها السيدات والسادة، أنتم تخضعون لاختبار مدته عشرون دقيقة.. مطلوب منكم البقاء في تلك الغرفة سوياً حتى انتهاء وقت الاختبار. الغرفة مراقبة بكاميرات حرارية ووسائل تصوير متطورة يمكنها التصوير أثناء الظلام الحالك وخلال انقطاع الكهرباء. ستقضون عشرين دقيقة في تلك الغرفة بدون أي ظروف خارقة إلا أن الغرفة ستكون مظلمة تماماً، تم تصميم تلك الغرفة لتكون حالكة عند غياب الضوء كما رأيتم منذ دقيقة. هناك زر أحمر عند باب الدخول وآخر عند باب الخروج، بالضغط على الزرين معاً يمكن للضاغطين الإنسحاب فوراً ولكن بدون مكافآت.. أي لكي ينسحب شخص يجب أن ينسحب آخر. هناك فرصة أخيرة للانسحاب، وهي الآن" وبدأت التجربة..

رحلة السماء والأرض


كنت أنتظر في غرفتها، قالت الخادمة أنها تستحم، كان لدينا درس اليوم في علوم الطبيعة، تتأخر دوماً وتجلعني أجنّ. لماذا تستحم في وقت الدرس!! خرجتْ الآن وتقفُ أمامي عارية تماماً، بجسدها الطفولي وبشرتها البيضاء المذهلة.. نظرتُ إليها غاضباً، فقالت: "ما الذي أخرك يا سيدي؟!" كانت تفعل هذا دوماً، تُلقي باللوم علي، لم تعترف أثينا يوماً بأنها تخطئ، تقول إن الخطأ للبشر وليس للآلهة، وكيف لها أن تعرف، هي ليست ربّة بعد.. قلتُ لها: "لست ربّة بعد، ولن تكوني أبداً لأنك تفوتين دروسك يا أثينا" كانت تركض مرحةً في جناح نومها وترفض أن ترتدي أي ملابس.. أنا وأثينا في نفس العمر شكلياً، ولكنها لديها مئات السنين عني.. أتذكرُ يوم خلقني بروبيثيوس في أرض "أتيكا" الخصبة الغنية، بدأ كل شئ ضبابي ويرتعش، وضَعني على الأرض وكنت صغيراً جداً لا أزل، ولكنه قال كلمات لا أنساها: "لقد أمر زيوس بخلقك لتُعين الربّة أثينا في حكمها، وتمدها بالحكمة والعلم وتحميها وتكون مستشاراً لـ زيوس تُعينه في حكمه، أمك هي الأرض وأبوك الأكبر هو الليل، ستعيش بين قوم الإله كورونوس "الزمن" تأكل من أرضه كما يأكل التايتن وتنام فوق العُشب النديّ وتشرب من أثداء أرضنا الأم.. ستنعم بالحياة وتتعلم، واسمك هو الإنسان" أحضروني بعدها لأثينا، كانت سعيدة للغاية بوجودي، وقبلتني عند عنقي فنمت لي تفاحة داخل حلقي، ثم نفخت عند وجهي فدبت في الحياة! بينما كنتُ أتذكر كلمات برومبيثيوس والماضي، كانت أثينا ترتدي ملابسها، وشاح من الحرير يغطي بشرتها الحريرية، وها هي ترتدي الدبوس الذي صنعته لها، عليه صورة لكبشٍ جبلي، جلست أمامي على الطرف الآخر من الطاولة، وقالت: "عندما أصبح ربّة سأخلق لك الكثير من الأصدقاء حتى لا تجلس وحيداً بعد الدرس" ابتسمت لها، وقلت: "شكراً يا أثينا، هلا نبدأ"، يومياً أدرس بصحبتها، نتمشى سوياً بين أشجار التوت والتفاح، بينما ينساب نهر العسل من أعلى الشلال القادم من النعيم حيث الإله الذي لم يخلقه أحد.. أجلس مع أثينا وأخبرها عن أنواع الطيور والنباتات، وهي تضحك ضحكةً إلهية بديعة الجمال، وتركض وتلعب مع الحيوانات، وتعد لي الطعام البشري اللذيذ.. أنا أحب أثينا! مرت السنوات الطوال، وبينما كان ينمو لي شعراً أبيض وتتجعد ملامحي كانت أثينا تتحول ببطء لامرأة بديعة الجمال والخلقة، لقد أوشكت على الوصول لعمر الخلود، بينما أنا مخلوق فاني. كنت أحزن لتصور أنني سأغادر أثينا يوماً ما.. ازدادت أثينا جمالاً ولكنها ازدادت حكمة كذلك، وعلم.. كنت أعلمها كيف تحكم بين المخلوقات بالعدل، وبينما كنتُ أفعل أصابني مرض شديد، فَزِعت أثينا، وهرولت للخارج طلباً للمساعدة، ولكن عندما عادت كان الوجود قد اسود في وجهي بالفعل، ونمتُ طويلاً.. عندما استيقظتُ كانت أثينا تنام عند طرف سريري وتمسك كفي، ناديتها بلطف: "أثينا!" فاستيقظت وما أن تقابلت عيوننا حتى رأيتها تبكي! كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها أثينا تبكي على الإطلاق.. كنت مفزوعاً ما الذي قد يبكي الربّة، قلتُ لها: "ما أبكاكي؟" ابتسمتْ وأخذت بيدي اليُمنى وقبلتها وقالت: "لقد صرت عجوزاً يا صديقي" في الأيام التالية كنت ازدادُ مرضاً، وتتويج أثينا يقترب لتصبح الربّة المنتظرة، كنت حزيناً.. " كان يجب أن أكون بقربك في هذا الوقت" قالت: "أنا من يجب أن تكون بجانبك الآن، لقد كنت دوماً بجانبي يا صديقي" علمتُ بعدها أن أثينا تتوّج، لم أحضر التتويج لأنه كلما وقفت دارت الغرفة بي وأصابني المرض الشديد، ولكني أسمع تهليل المخلوقات لأثينا.. لا مفر من نهاية رحلتي على كل حال وبداية رحلتها.. قالت لي: "لقد أصبحتُ ربّة الآن، ولكني أفتقدك بشدة!" كلما جاءت أثينا لتراني كانت تبكي، يصيبني الأسى لأنني صرتُ -في النهاية- سبب بكائها.. قلت لها وأنا أنظر لدبوس الكبش الذي ترتديه فوق ملابس تتويجها: "أنا متأكد أنك كنت جميلة ورائعة" أشعر بأن السلم الذي سأصعد به للإله -الذي لم يخلقه أحد- يقترب مني، قلت لأثينا عندما حانت لحظة الصعود: "عديني بأن تكوني ربّة جيدة، حسناً؟" وبينما كنتُ أصعد السلم، قبلتني أثينا عند ضلعي وقالت وداعاً.. نفخت بعدها أثينا في الأرض روح الإنسان ومن ضلعه خرجت من تشاركه الحياة والأولاد، وعاش أحفادي وحفيداتي في أرض كورونوس يعطيهم الزمن والوقت، بينما أثينا تراقبهم وتحميهم من السماء. تمّـــــــــــت

Thursday, July 18, 2019

كابوس من الماضي! || رعب


لا أعلم!
كنتُ في تلك الصحراء المقفرة، والقمرُ فوق رأسي يعلوها ولكنه قريبٌ جداً، وكأنه كوكب عملاق في الأفق.. السماء شديدة الصفاء والسواد، لا أعلم هل الوقتُ ليلاً أن أن القمر يجعلني أظن هذا.
رأسي ينظرُ إلى الأمام، إلى حيثُ القبر المفتوح الذي يعلوه صليب من الخشب، صُنع على عجل ووضع على عجل، فيكادُ يسقط داخل القبر.. 
ثم تهمسُ في أذني الرياح: "ادخل.. ادخل.. ادخل إلى حيث تتحول العجائب إلى حقيقة" 
ثم أستيقظُ من النوم فزِعاً..
يتكرر الأمر منذ أن بدأ وعيي للأحلام، وأنا الآن في الثلاثين من عمري، وكلما اكمل القمرَ في السماء! رأيته، رأيتُ الحُلم ذاته، والقبر ذاته.. 
ذهبُ لمُعالجتي النفسية، وقلتُ له: "تلك الحبوب لا تفيد بشئ! لا زلتُ أرى نفس الرؤية.. فسّر لي ما هذا؟" 
قالت: "سأخبرك أمراً قد يخالف مهنتي، ولكن.. هذا الأمر يفوق الطب، يجب أن ترى روحاني، هذا هو الحل الذي أملكه" 
ذهبتُ للروحاني، قبل اكتمال القمر التالي، لأنني كنتُ أمتلك شعوراً بأن أمراً سيئاً سيحصل المرة القادمة، ولن أتوقف عند أعتاب القبر المفزع.. 
لما رآني الروحاني، قال: "إن لك لأمرٌ عظيم، فخبّر عن رؤياك، أخبرك تفسيرها" 
وأخبرته الرؤية، فتعجب وصمت، ثم قال: "لم يُفتَح القبر أمامك قط؟" 
قلتُ له: "لا أظن، ربما كنتُ خائفاً أن أقترب لا أكثر"
قال الروحاني: "هناك شئ يخصك في هذا القبر، ربما شئ قد تتذكره لو انغمست في تفكيرٍ عميق.. لأن هذا القبر يناديك، بل ما يخصك في القبر هو ما يناديك"
سألته: "وهل يجب أن أستجيب؟" 
قال: "يجب أن نعلم ماهو أولاً قبل أن نخاطر بك أو نسبق الاستنتاج" 
سألته: "وكيف أصلُ إلى التفكير العميق لأعلم؟" 
وكانت خطة الروحاني تقضي أن يساعدني هو في تلك العملية، أن يساعدني لأغرق في التفكير حتى أصل للنقطة التي أتذكر فيها ماذا تركتُ في هذا القبر.. إنه تقليد لاستدعاء ذكريات من الماضي السحيق!
كانت الفكرة جنونية بذاتها، تلك الفكرة في أ‘ماق تفكيري، ماهي إلا ذكرى لا تخصني بشكلٍ شخصي، ولكنها انتقلت إليّ من الماضي، وعليّ أن أجدها الآن.. 
في منزلي.. حَضرَ الروحاني، وأحضر معه بعض الأدوات كالطباشير، ووعاء من الطمي، وأوراقٍ صفراء.. 
سألته: "ما فائدة الأدوات؟" 
قال: "الطبشور الأحمر هو لرسم الغرفة التي ستحيطُ بك خلال العملية حتى لا تسبب الأذى أو الفوضى من حولك، ووعاء الطمي لاستخاص نقطة من دمك لبدأ العملية من الأساس، أما الأوراق فهي لتكتُب عليها ما ستراه أو يكتب عليها من ستراه"
سألته: "هل سأرى أحد ما؟" 
حرّك كتفيه، وبدأنا، قطعتُ إصبعي جرحاً بسيطاً، وأدميته في الوعاء، ثم رسم الشيخ مستطيلاً له إطار آخر مستطيل بداخله رسمٌ وحروف، وأمرني الرجل بأن أرقد على ظهري داخل المستطيل وكأنني نائم، ثم خلط الدماء ببعض الرماد وأسقط الدماء الباقية فوق الأوراق لتكون بيني وبين الأوراق رباطة دم، نوع من السحر السفلي أعتقد.. وبدأ الطقس!
لستُ مجنوناً ولكني يائس، وأريدُ رحيل ذلك الكابوس!
خلال دقيقة أو أقل، كنتُ في الحلم ذاته، لا شئ تغيّر.. الصليب الخشبي، والقمر الكوكبي، والصحراء الخالية تماماً.. ولكن تلك المرة كان القبر مفتوحاً! 
هناك درجات سلالم إلى الداخل.. إلى الأسفل، حيثُ الظلام يبتلع كل شئ!
كدتُّ أركض، وربما لو كنتُ في حالتي الطبيعية، لاستيقظتُ من كثرة الخوف على قلبي، ولكن الرياح كانت تناديني.. 
تلك المرة، من الداخل!
"ادخل.. ادخل أيها المختار.. ادخل لتتوّج، وأمر لتُجاب" 
نزلتُ الدرجات إلى داخل القبر، وما إن ابتعلتني ظلمته الموحشة حتى سُدّ المخرج!
زاد ذلك من هلعي، وكادت أنفاسي تنقطع تماماً.. 
وأنا في الداخل، لم أسمع أي شئ، لا صوت ولا حياة، لا أرى شيئاً، وأنا خائف للغاية وأخشى أن أتحرك.. ثم رأيتُ شيئاً شاب له رأسي، ووقف الشعرُ فوق جسدي! لقد رأيتُ جسداً ملحوفاً بالأبيض، واللحاف مفتوح ويكشف عن الجثّة داخله.. لقد ظهر من العدم!
ثم استقامت الجثّة، استقامت وجلست كما يجلس الأحياء، ولكن ببشرةٍ شاحبةٍ ميتة، تجل من يظهر إليها يستشعر الموت في روحه!.. التفتت الجثة إليّ، وكان عينها لا تزال مغمضة، وقطع القطن ملتصقة بالجفون، وهناك قطن في فمها.. ثم أشارت بسبابتها نحوي! وأصدرت صيحةً أصمّت أذنيّ تماماً وكادت تفتك برأسي!
بعد تلك الصيحة، وجدتُّ الأرض تنشق من تحتي، ويظهرُ من تحتها نار مستعرة وكأنها الجحيم، ثم ابتعلتني.. كنتُ أسقطُ وأشعر باللهب في وجهي وأطرافي، وكنتُ أحترق، والجلدُ يسقط عني! كنتُ أُشوى!!
ثم استيقظت.. فجأةً وبدون مقدمات، فتحت عينيّ على عجلٍ استبقاءً للضوء، وأراد صوتي الصراخ، ولكنه لم يخرج.. بل كنتُ أطير! كنتُ أطفو في الهواء، في سماء الغرفة التي كنتُ راقداً فيها.. 
ورأيتُ نفسي راقداً على الأرض، والروحاني يجلس قربي يراقب الأوراق وهي تنتفض ويُكتب فوقها بالدماء! هل أنا في حلمٍ آخر؟ 
ثم - كما حدث في الكابوس- بدأ الجلد يسقط عن جسدي النائم، والروحاني يستعيذ ويبتعد.. يلملم أدواته ليرحل فوراً، بينما جسدي ينصهر أمامه وأمامي!
ثم خرج من جسدي، كائنٌ آخر.. كائنٌ أسود وكأنه احترق في بطن الجحيم، له قرنان كالكبش، ورائحة كالجد المحروق، له أقدام كالحصان، وذيل في نهايته رأس رمح حادة تقطع الشئ لنصفين في لمح البصر، كانت تخرج من أنفاسه شرارات النار، وكان يصرخ وكأن تلك النيران تحرق أحشائه.. كان بطول عشرين قدماً.. 
بينما جسدي المنصهر على الأرض، بذيله القوي قتل الروحاني وطعنه من ظهره إلى بطنه، ثم سحبه إلى حيثُ هو، وتناول رأسه وكأنها مكسرات!
لقد كان الحلم هو مجرد رسالة إليّ.. رسالة تحذير.. بقدوم شيطان تم حبسه في الماضي، ونحنُ حررناه، وكنتُ أنا وسيلة عبوره إلى دنيا البشر!
تمّــــــــــــــــت...