Thursday, July 18, 2019

كابوس من الماضي! || رعب


لا أعلم!
كنتُ في تلك الصحراء المقفرة، والقمرُ فوق رأسي يعلوها ولكنه قريبٌ جداً، وكأنه كوكب عملاق في الأفق.. السماء شديدة الصفاء والسواد، لا أعلم هل الوقتُ ليلاً أن أن القمر يجعلني أظن هذا.
رأسي ينظرُ إلى الأمام، إلى حيثُ القبر المفتوح الذي يعلوه صليب من الخشب، صُنع على عجل ووضع على عجل، فيكادُ يسقط داخل القبر.. 
ثم تهمسُ في أذني الرياح: "ادخل.. ادخل.. ادخل إلى حيث تتحول العجائب إلى حقيقة" 
ثم أستيقظُ من النوم فزِعاً..
يتكرر الأمر منذ أن بدأ وعيي للأحلام، وأنا الآن في الثلاثين من عمري، وكلما اكمل القمرَ في السماء! رأيته، رأيتُ الحُلم ذاته، والقبر ذاته.. 
ذهبُ لمُعالجتي النفسية، وقلتُ له: "تلك الحبوب لا تفيد بشئ! لا زلتُ أرى نفس الرؤية.. فسّر لي ما هذا؟" 
قالت: "سأخبرك أمراً قد يخالف مهنتي، ولكن.. هذا الأمر يفوق الطب، يجب أن ترى روحاني، هذا هو الحل الذي أملكه" 
ذهبتُ للروحاني، قبل اكتمال القمر التالي، لأنني كنتُ أمتلك شعوراً بأن أمراً سيئاً سيحصل المرة القادمة، ولن أتوقف عند أعتاب القبر المفزع.. 
لما رآني الروحاني، قال: "إن لك لأمرٌ عظيم، فخبّر عن رؤياك، أخبرك تفسيرها" 
وأخبرته الرؤية، فتعجب وصمت، ثم قال: "لم يُفتَح القبر أمامك قط؟" 
قلتُ له: "لا أظن، ربما كنتُ خائفاً أن أقترب لا أكثر"
قال الروحاني: "هناك شئ يخصك في هذا القبر، ربما شئ قد تتذكره لو انغمست في تفكيرٍ عميق.. لأن هذا القبر يناديك، بل ما يخصك في القبر هو ما يناديك"
سألته: "وهل يجب أن أستجيب؟" 
قال: "يجب أن نعلم ماهو أولاً قبل أن نخاطر بك أو نسبق الاستنتاج" 
سألته: "وكيف أصلُ إلى التفكير العميق لأعلم؟" 
وكانت خطة الروحاني تقضي أن يساعدني هو في تلك العملية، أن يساعدني لأغرق في التفكير حتى أصل للنقطة التي أتذكر فيها ماذا تركتُ في هذا القبر.. إنه تقليد لاستدعاء ذكريات من الماضي السحيق!
كانت الفكرة جنونية بذاتها، تلك الفكرة في أ‘ماق تفكيري، ماهي إلا ذكرى لا تخصني بشكلٍ شخصي، ولكنها انتقلت إليّ من الماضي، وعليّ أن أجدها الآن.. 
في منزلي.. حَضرَ الروحاني، وأحضر معه بعض الأدوات كالطباشير، ووعاء من الطمي، وأوراقٍ صفراء.. 
سألته: "ما فائدة الأدوات؟" 
قال: "الطبشور الأحمر هو لرسم الغرفة التي ستحيطُ بك خلال العملية حتى لا تسبب الأذى أو الفوضى من حولك، ووعاء الطمي لاستخاص نقطة من دمك لبدأ العملية من الأساس، أما الأوراق فهي لتكتُب عليها ما ستراه أو يكتب عليها من ستراه"
سألته: "هل سأرى أحد ما؟" 
حرّك كتفيه، وبدأنا، قطعتُ إصبعي جرحاً بسيطاً، وأدميته في الوعاء، ثم رسم الشيخ مستطيلاً له إطار آخر مستطيل بداخله رسمٌ وحروف، وأمرني الرجل بأن أرقد على ظهري داخل المستطيل وكأنني نائم، ثم خلط الدماء ببعض الرماد وأسقط الدماء الباقية فوق الأوراق لتكون بيني وبين الأوراق رباطة دم، نوع من السحر السفلي أعتقد.. وبدأ الطقس!
لستُ مجنوناً ولكني يائس، وأريدُ رحيل ذلك الكابوس!
خلال دقيقة أو أقل، كنتُ في الحلم ذاته، لا شئ تغيّر.. الصليب الخشبي، والقمر الكوكبي، والصحراء الخالية تماماً.. ولكن تلك المرة كان القبر مفتوحاً! 
هناك درجات سلالم إلى الداخل.. إلى الأسفل، حيثُ الظلام يبتلع كل شئ!
كدتُّ أركض، وربما لو كنتُ في حالتي الطبيعية، لاستيقظتُ من كثرة الخوف على قلبي، ولكن الرياح كانت تناديني.. 
تلك المرة، من الداخل!
"ادخل.. ادخل أيها المختار.. ادخل لتتوّج، وأمر لتُجاب" 
نزلتُ الدرجات إلى داخل القبر، وما إن ابتعلتني ظلمته الموحشة حتى سُدّ المخرج!
زاد ذلك من هلعي، وكادت أنفاسي تنقطع تماماً.. 
وأنا في الداخل، لم أسمع أي شئ، لا صوت ولا حياة، لا أرى شيئاً، وأنا خائف للغاية وأخشى أن أتحرك.. ثم رأيتُ شيئاً شاب له رأسي، ووقف الشعرُ فوق جسدي! لقد رأيتُ جسداً ملحوفاً بالأبيض، واللحاف مفتوح ويكشف عن الجثّة داخله.. لقد ظهر من العدم!
ثم استقامت الجثّة، استقامت وجلست كما يجلس الأحياء، ولكن ببشرةٍ شاحبةٍ ميتة، تجل من يظهر إليها يستشعر الموت في روحه!.. التفتت الجثة إليّ، وكان عينها لا تزال مغمضة، وقطع القطن ملتصقة بالجفون، وهناك قطن في فمها.. ثم أشارت بسبابتها نحوي! وأصدرت صيحةً أصمّت أذنيّ تماماً وكادت تفتك برأسي!
بعد تلك الصيحة، وجدتُّ الأرض تنشق من تحتي، ويظهرُ من تحتها نار مستعرة وكأنها الجحيم، ثم ابتعلتني.. كنتُ أسقطُ وأشعر باللهب في وجهي وأطرافي، وكنتُ أحترق، والجلدُ يسقط عني! كنتُ أُشوى!!
ثم استيقظت.. فجأةً وبدون مقدمات، فتحت عينيّ على عجلٍ استبقاءً للضوء، وأراد صوتي الصراخ، ولكنه لم يخرج.. بل كنتُ أطير! كنتُ أطفو في الهواء، في سماء الغرفة التي كنتُ راقداً فيها.. 
ورأيتُ نفسي راقداً على الأرض، والروحاني يجلس قربي يراقب الأوراق وهي تنتفض ويُكتب فوقها بالدماء! هل أنا في حلمٍ آخر؟ 
ثم - كما حدث في الكابوس- بدأ الجلد يسقط عن جسدي النائم، والروحاني يستعيذ ويبتعد.. يلملم أدواته ليرحل فوراً، بينما جسدي ينصهر أمامه وأمامي!
ثم خرج من جسدي، كائنٌ آخر.. كائنٌ أسود وكأنه احترق في بطن الجحيم، له قرنان كالكبش، ورائحة كالجد المحروق، له أقدام كالحصان، وذيل في نهايته رأس رمح حادة تقطع الشئ لنصفين في لمح البصر، كانت تخرج من أنفاسه شرارات النار، وكان يصرخ وكأن تلك النيران تحرق أحشائه.. كان بطول عشرين قدماً.. 
بينما جسدي المنصهر على الأرض، بذيله القوي قتل الروحاني وطعنه من ظهره إلى بطنه، ثم سحبه إلى حيثُ هو، وتناول رأسه وكأنها مكسرات!
لقد كان الحلم هو مجرد رسالة إليّ.. رسالة تحذير.. بقدوم شيطان تم حبسه في الماضي، ونحنُ حررناه، وكنتُ أنا وسيلة عبوره إلى دنيا البشر!
تمّــــــــــــــــت...

No comments:

Post a Comment